لماذا نطبق المعايير المحاسبية للتحوط؟

لماذا نطبق المعايير المحاسبية للتحوط؟

في عام تواصل فيه البنوك المركزية رفع أسعار الفائدة وتشديد السياسات المالية لمواجهة الضغوط التضخمية، ارتفعت أسعار الفائدة عبر منحنى العائد بشكل كبير. محليا، قفزت أسعار الفائدة بأكثر من 500٪ منذ يناير الماضي على خلفية التشديد النقدي والعوامل المرتبطة بالسيولة المحلية. هو أيضا عام شهدت فيه العملات الرئيسية انتعاشًا في نشاط التداول وسط زيادة تقلبات السوق، التي رصدتها العديد من مؤشرات تقلبات العملات الأجنبية. وفي الوقت نفسه، تزامن ارتفاع أسعار السلع الأساسية مع التهديد بحدوث اضطرابات كبيرة في الإمدادات. وهذا بدوره أدى إلى تكثيف الضغوط التضخمية العالمية وساهم في إثارة مخاوف حقيقية من حدوث ركود اقتصادي عالمي.

في ظل حالة الأسواق المتقلبة واستمرار حالة عدم اليقين، تميل أنشطة التحوط من هذه المخاطر إلى الزيادة، ولكن يبدو أن الأرقام الإجمالية مختلطة. فوفقا لتقرير بنك التسويات الدولية هذا العام والذي يغطي فترة ثلاث سنوات، انخفضت التداولات في مشتقات أسعار الفائدة غير المدرجة بواقع 19٪ في حين ارتفع التداول في مشتقات العملات الأجنبية غير المدرجة بنحو 17٪. ووفقا للبنك، فإن العامل الأكثر أهمية الذي ساهم في انخفاض معدل دوران مشتقات أسعار الفائدة هو التحول المستمر بعيدا عن الليبور للعملات الرئيسية. من ناحية أخرى، شهدنا محليًا نموًا في أنشطة التحوط هذا العام بين الشركات، وخاصة تلك التي تخص أسعار الفائدة، على الرغم من ارتفاع تكلفة التحوط. يحدث هذا في وقت تكون فيه أسعار عقود مقايضة أسعار الفائدة لمدة خمس سنوات (مقايضة العائدات النقدية العائمة مقابل التدفقات النقدية الثابتة) أعلى من متوسط الخمس سنوات بأكثر من 60٪ وتكلفة الهامش (الفرق بين سعر المبادلة لمدة خمس سنوات وثلاثة أشهر سايبور) سلبية وأعلى من متوسط الخمس سنوات بأكثر من 150 نقطة أساس حتى وقت كتابة هذه النشرة.

وفقا لمى لمسناه، عادة ما تأتي المنظمات التي نتعامل معها وفي اعتبارها شاغلين رئيسيين، هل نحن نقوم بالتحوط بتكلفة عالية نسبيا؟ وهل سنعاقب بمجرد عودة الأسعار أو استقرارها؟ من المؤكد أن هذين السؤالين صعبان، ومعالجتهما تتطلب بعض الفهم الأساسي حول الأسباب الكامنة وراء التحوط في المقام الأول. لمعالجة الشاغل الأول، يجب أن تكون المنظّمة مدركة لملف وشهية المخاطر الخاص بها، والأدوات المتاحة لإدارة المخاطر، وأهداف إدارة المخاطر المالية التي من شأنها أن تمكنها من الإجابة على هذا السؤال الصعب والذي يلامس بالأساس نقطة التكلفة والمنفعة. أما بالنسبة للشاغل الثاني، فيجب أن تكون المنظمة على دراية بالآثار الاقتصادية والمحاسبية التي تنشأ عند التعامل مع المشتقات المالية. مع اقترابنا من اقفال نهاية العام، بقية هذه النشرة ستركز بشكل أكبر على المعايير المحاسبية للمشتقات، وأهدافها ونماذجها، ولماذا أصبح هذا الموضوع الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى.

محاسبة التحوط

كجزء من أعمالها اليومية، تتعرض المنظمات بطبيعتها لأنواع مختلفة من المخاطر المالية. قد تكون بعض المنظمات قلقة بشأن أسعار الصرف أو أسعار الفائدة، في حين أن البعض الآخر قد يكون قلقا بشأن أسعار السلع الأساسية. لإدارة هذه المخاطر، تستخدم المنظمات استراتيجيات مختلفة لإدارة المخاطر، يستلزم بعضها استخدام المشتقات المالية.

عادة ما يُنظر إلى المشتقات المالية على أنها موضوع معقد، والعملية المحاسبية عنها بالعادة لا تختلف في ذلك

عادة ما يُنظر إلى المشتقات المالية على أنها موضوع معقد، والعملية المحاسبية عنها بالعادة لا تختلف في ذلك. بشكل عام، يجب الاعتراف بأي مشتق مالي في الميزانية العمومية “بقيمته العادلة” وتغيراته في قائمة الدخل. من المهم ملاحظة أن محاسبة التحوط ليست إلزامية، وتحتاج المنظمات إلى اختيار تطبيق محاسبة التحوط. محاسبة التحوط هي مفهوم مبني على المطابقة ويهدف الى تعديل الأساس الطبيعي للاعتراف بالمكاسب والخسائر (أو الإيرادات والمصروفات) على أدوات التحوط ذات الصلة (المشتقات المالية) والعناصر المتحوط منها (المعاملة التي تم التحوط لأجلها)، بحيث يتم الاعتراف بكليهما في قائمة الدخل (أو قائمة الدخل الشامل الآخر- أو ما يسمى OCI) في نفس الفترة المحاسبية.

والغاية من هذا التعديل هو تمثيل تأثير أنشطة إدارة المخاطر التي تستخدم المشتقات المالية بطريقة من شأنها أن تخفف من تقلبات الأرباح من فترة إلى أخرى. بموجب المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS)، هناك ثلاثة معايير محاسبية رئيسية تتعلق بالمشتقات المالية.

أولا المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 9 الذي يصف كيفية حساب المشتقات وتطبيق محاسبة التحوط. وثانيًا يصف المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 13 كيفية تحديد القيمة العادلة لأغراض المحاسبة، ويشمل عمليًا النظر في المخاطر التي لا تتعلق بالأداء (كمخاطر الائتمان، عن طريق ما يسمى CVA/DVA، BCVA) في التقييمات. وثالثًا، المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 7، الذي يصف الإفصاحات النوعية والكمية المطلوبة. أدناه، تم تلخيص نماذج محاسبة التحوط الثلاثة الرئيسية بموجب المعيار الدولي للتقارير المالية 9 (سابقًا ضمن معيار المحاسبة الدولي 39 – لمزيد من التفاصيل، يرجى مشاهدة الندوة الإلكترونية الخاصة بنا هنا).

تحوط القيمة العادلة: المخاطر التي يتم التحوط منها هنا هي التغيير في القيمة العادلة للأصول أو الخصوم. وقد يشمل ذلك أيضا التزاما ثابتا غير معترف به يمكن أن يُعزى إلى خطر معين قادر على التأثير في الربح والخسارة للمنظمة. في هذا النموذج، تعوض (أو تلغي) مكاسب وخسائر المشتقات والعناصر المتحوط منها بعضها البعض ويتم الاعتراف بهما في الربح والخسارة.

صافي التحوط الاستثماري: هذا النموذج محدد بعض الشيء، وهو مصمم لشركة قابضة لديها شركات تابعة وعمليات خارجية تهيمن عليها عملات اجنبية. والفكرة هنا هي التحوط من مخاطر العملة المرتبطة بترجمة تلك العمليات الخارجية في قائمة الدخل الشامل الآخر بطريقة تتسق مع تسجيل فروق الصرف التراكمية الناتجة عن ترجمة العمليات الأجنبية.

تحوط التدفقات النقدية: إلى حد بعيد، هذا النموذج هو الأكثر شعبية. الهدف الذي يتم التحوط منه هنا هو التباين في التدفقات النقدية والتي يمكن أن تُعزى إلى مخاطر معينة ويمكن أن تؤثر على الربح والخسارة للمنظمة. قد تكون التدفقات النقدية مرتبطة بالأصول او الخصوم الحالية أو التزامات على الشركة أو معاملات ذات احتمالية عالية. في التحوط من التدفقات النقدية، يمكن تسجيل الارباح والخسائر للمشتق المالي في قائمة الدخل الشامل الآخر (OCI) وإعادة تدويرها الى قائمة الدخل في نفس الوقت الذي يتم فيه تسجيل معاملة التحوط. يوضح الرسم البياني أدناه الطريقة التي تعمل بها محاسبة التحوط للتدفقات النقدية، وكيف يمكن أن تجنب المنظمة أرباح وخسائر التغيرات في القيمة العادلة للمشتقات.

في العامين الماضيين، قمنا بتغطية العديد من تحوطات التدفقات النقدية، سواء كانت المعاملة التحوطية عبارة عن مدفوعات فائدة مستقبلية على دين عائم، أو تدفقات نقدية مرتبطة ببيع أو شراء متوقع بعملة أجنبية. لإعطائكم مثالا واقعيا، عندما اجتاح كوفيد-19 عالمنا، انخفضت أسعار الفائدة المحلية بأكثر من 50٪ في سنة مالية واحدة. ونتيجة لذلك، أصاب العديد من المنظمات التي قامت بتثبيت تدفقاتها النقدية الخاصة بالفوائد المتغيرة عبر المشتقات المالية سيلا من الخسائر في القيم العادلة بسبب تحركات السوق الحادة. وكما ذكرنا سابقا، كان من شأن هذه التحركات أن تؤثر بشكل جوهري على أرباحها الدورية. في بعض الحالات ادت هذه الخسائر الى قلب صافي أرباح المنظمة الى صافي خسارة. ومع ذلك، كان الوضع بالنسبة للمنظمات التي طبقت محاسبة التحوط مختلفًا بشكل جذري. في اللحظة التي تم بها اعتبار هذه التحوطات مؤهلة وفعالة، تم تقليل هذا التأثير السلبي على الأرباح من منظور محاسبي. يمكن قول الشيء ذاته هذا العام بالنسبة للمنظمات التي لديها تحوطات من العملات الأجنبية مقابل الدولار الأمريكي أو الريال السعودي والتي تدهورت في أعقاب قوة الدولار الأمريكي (ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي بأكثر من 15 ٪ مقابل العملات الرئيسية الأخرى هذا العام).

لماذا هي ذات أهمية الآن

مع التوقعات الاقتصادية العالمية المحفوفة بحالة عدم اليقين، والأسواق التي يمكن تصنيفها على أنها غير مستقرة، سيكون من الصعب التنبؤ بمسار الأسعار عبر فئات الأصول المختلفة في العام أو العامين المقبلين. وإذا اخترنا أسعار الفائدة على سبيل المثال، ليس من الواضح إلى متى ستستمر دورة الارتفاعات هذه، وفي أي مرحلة ستبدأ البنوك المركزية في النظر بالسياسات التوسعية. وبعبارة أخرى، متى ستبدأ أسعار الفائدة في الانخفاض، وإذا كان الأمر كذلك، فبأي سرعة سيحدث هذا؟

عدم استقرار الأسعار ودرجة التقلب في فئة الأصول له تأثير مباشر على تقييمات المشتقات المالية. للاستمرار مع مشتقات أسعار الفائدة كمثال، افترض أن كيانا ما قد نفذ اليوم صفقة مقايضة سعر فائدة لمدة خمس سنوات بقيمة 100 مليون ريال سعودي.  وانطلاقا من أهداف إدارة المخاطر، تعتزم المنظمة معالجة التباين في مدفوعات أسعار الفائدة العائمة المستقبلية، وبالتالي، قررت تنفيذ عقد المقايضة. القيمة العادلة لهذا المشتق عند التنفيذ قريبة افتراضيا من الصفر.  ومع ذلك، فإن أي تحول لاحق بمقدار 50 نقطة أساس (0.5٪) صعودا أو هبوطا في منحنى العائد الآجل سيؤثر على المنظمة عبر تعديلات إعادة تقييم القيمة العادلة في تقرير الأرباح القادم بنحو 2 مليون ريال سعودي. ولوضع هذا التحول في منظوره الصحيح، تحرك منحنى العائد للريال السعودي بأكثر من 150 نقطة أساس هذا العام وحده فقط. وبالمثل، فإن التحركات الحادة في مستويات التقلبات الضمنية، كما لوحظ هذا العام، لها تأثير مباشر على تقييم المشتقات المالية القائمة على الخيارات.

الغرض من محاسبة التحوط هو حماية المنظمة من هذه المتغيرات، وليس معاقبتها على اتخاذ هذا القرار المعقول لإدارة المخاطر

الغرض من محاسبة التحوط هو حماية المنظمة من هذه المتغيرات، وليس معاقبتها على اتخاذ هذا القرار المعقول لإدارة المخاطر.  وفقا للمعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 9، إذا كانت الأداة المشتقة تفي بمعايير الأهلية، فيمكن تعيينها بنجاح على هذا النحو، شريطة أن تستمر في تلبية معايير محاسبة التحوط.  وستتطلب المعايير أساسًا إقامة علاقة اقتصادية بين المشتق المالي والعنصر الذي تم التحوط منه. وهذا يعني أن الشروط الأساسية (أي العنصر المغطى، والأفق الزمني، والشروط التجارية، وما إلى ذلك) لابد من أن تتطابق. كما يتطلب تقييم تأثير مخاطر الائتمان التي يمكن أن تؤثر على التغير في القيمة العادلة لأداة التحوط ومواءمة محاسبة التحوط مع أهداف إدارة المخاطر من حيث صلتها بنسبة التحوط المطلوبة. يجب اختبار هذه المتطلبات كميًا ونوعيًا والتي يجب من خلالها تسجيل أي عدم فعالية في قائمة الدخل.

يجب أن تكون نقطة انطلاق المنظمة لبدء هذه الرحلة المحاسبية هي تحديد المخاطر التي تؤثر حاليا على الأرباح. وبمجرد تحديد هذه العناصر والتحوط منها بعدئذ، سيتطلب المنظمة عندها تعيين التحوط عن طريق التوثيق الرسمي. وينبغي أن تحدد هذه الوثائق استراتيجية إدارة المخاطر لدى المنظمة، وأداة التحوط، وطبيعة المخاطر التي يتم التحوط لها (عنصر التحوط)، والمنهجية التي سيتم إجراء اختبار الفعالية على أساسها (الكشف عن مصادر عدم الفعالية ونسبة التحوط المنشودة). وإذا اعتبر التحوط فعالا، وتم قياس عدم الفعالية، إن وجدت، بدقة، فإن ما تبقى هو الإفصاحات المطلوبة بموجب المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 7.

في هذه المرحلة، تكتمل عملية محاسبة التحوط. تجدر الإشارة إلى أن اختبار عدم الفعالية هو اجراء مستمر طالما أن التحوط لا يزال نشطا ويستمر في تلبية متطلبات المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 9. وإذا لم يكن الأمر كذلك، يصبح التوقف عن محاسبة التحوط حتميًا.  وينبغي أن يكون تواتر هذه الاختبارات جنبًا إلى جنب مع المتطلبات المحاسبية لدى المنظمات. قد تبدو محاسبة التحوط معقدة في البداية، ولكن عمليا، هي أسهل مما قد يتوقعه البعض.  هذا صحيح وبشكل خاص في الحالات المباشرة حيث يمكن ببساطة تحديد العلاقة الاقتصادية بين أداة التحوط وعنصر التحوط. في اللحظة التي تقوم بها المنظمة بتطوير هذا الاجراء داخليا، فإنه يصبح عملية روتينية بعد ذلك. أعتقد أنها رحلة تستحق الاستكشاف، رحلة من شأنها أن تُمثّل أنشطة إدارة المخاطر بشكل أفضل وفي الوقت نفسه تقلل من تقلبات قائمة الدخل. نتمنى لكم إقفال محاسبي سلس في نهاية العام!

دروس إدارة المخاطر المستفادة من عام 2022
مقايضات النطاق المستحق لأسعار الفائدة — لعبة خطرة
القائمة