كيف يجب عليك التحوط من مخاطر أسعار العملات الأجنبية؟
لمحة بسيطة من حالة عدم اليقين في الأسواق المالية كفيلة لجعل كثير من الشركات تحاول جاهدة التحوط من تعرضاتها المالية المختلفة. عندها تتبادر إلى الأذهان أسئلة أساسية ومحتومة: لماذا وماذا ومتى وكيف؟
جزء من الهدف الشامل لإدارة المخاطر المالية هو إدارة مخاطر أسعار العملات الأجنبية. ونعني بكلمة “الإدارة” هنا هو إجراء العناية الواجبة وتحليل المعطيات المختلفة داخل الشركة (والسوق كذلك) لإنشاء إستراتيجية التحوط الأكثر ملاءمة وقابلية للتنفيذ في سوق العملات الأجنبية. تشرح هذه المقالة الأساسيات المتعلقة بهذا الجانب.
لماذا يجب علينا أن نتحوط؟
بالنسبة لبعض الشركات ، تؤخذ قرارات التحوط كردة فعل. على سبيل المثال، يمكن أن يُلزم البنك بعض الشركات (كجزء من التعهدات المالية) بالتحوط لجزء معين من تعرضها للعملات الأجنبية. بالنسبة للبعض الآخر من الشركات، تكون القرارات استباقية – لتفادي عدم تحقيق اهداف محددة مسبقاً على سبيل المثال. على المدى الطويل عادة ما تتخذ الشركات مزيج من القرارات الاستباقية والتفاعلية.
عادةً ما يتمحور سؤالنا هنا عن مدى الحاجة إلى حماية الشركة من التأثير المحتمل لتقلبات أسعار العملات الأجنبية على الأرباح والخسائر. وبالتالي، فإن إعطاء أهمية كبرى إلى بنود الرغبة في المخاطرة وحدودها والقدرة عليها يُعد أمر حيوي للإجابة على هذا السؤال. ثم يجب التعمق في أهداف التحوط لتحديد المقاييس التي يجب حمايتها.
ماذا سيأتي بعد ذلك؟
يجب أن يتم التفكير والتحليل في أي نشاط تحوط (عملات أجنبية أو غير ذلك) بشكل شامل. على سبيل المثال، خلال عملنا فإننا شهدنا حالات يقوم فيها قسم الاستثمار بشركة ما بالتحوط من تعرضه للعملات الأجنبية دون النظر في التعرض القائم لقسم الخزينة بالجوار.
بعض التعرضات لسعر العملات الأجنبية يقابله تعرض معاكس يلغيه أو يخفف من مخاطره؛ على سبيل المثال يمكن أن يكون لدى الشركة ذمم ومبالغ مستحقة بالعملات الأجنبية تلغي بعضها البعض من منظور المخاطر. فإذا كان الأمر كذلك، فإن الإجابة على سؤال “ماذا” تصبح مباشرة بسبب صافي التعرض في هذه الحالة والذي قد يكون صفراً.
بمجرد تحديد صافي التعرضات للعملات الأجنبية، يمكن التحوط من المخاطر بشكل مناسب من خلال فهم عوامل أساسية (الأهداف، شهية المخاطرة، القدرة على تحمل المخاطر، وما إلى ذلك). ما هي نسبة التحوط الأمثل؟ لا توجد إجابة واحدة لذلك ولكن فهم الأسباب للتحوط سيساعد كثيراً على تحديد نسبة التحوط المناسبة وحل التغطية الملائمة.
أخيرًا، يجب على كل شركة أن تجيب بشكل صريح على تساؤل هام: ما هو منتج التحوط المناسب؟ بشكل عام، يُوصى باستخدام منتجات التحوط البسيطة غير المعقدة (مثل العقود الآجلة أو الخيارات). ومع ذلك، تعتمد عملية اختيار المنتج على وضع السوق نفسه للعملة المراد التحوط منها وعلى أدوات التحوط التي يقدمها. لذلك، يعد تحليل عمق ونضج السوق للعملة أو زوج العملات قيد الدراسة أمرًا بالغ الأهمية.
متى يجب تنفيذ وتوقيت عملية التحوط؟
إن محاولة توقيت السوق أو التنفيذ على سعر معين يجب ألا يكون الهدف المنشود أبداً عند القيام باتخاذ قرار التحوط. بدلاً من ذلك، أساسيات إدارة المخاطر الفعالة تقتضي التحوط بمجرد تفعيل المعايير والمقاييس المحددة مسبقًا.
يمكن أن يكون التوقيت عاملاً اعتمادًا على الاستراتيجية المناسبة لأهدافك. على سبيل المثال، ضع في اعتبارك مخاطر التقويم أو ما يعرف بـــفروقات ترجمة عملات أجنبية (Translation Risk) (التغييرات في سعر الصرف التي تؤثر على القيمة المحاسبية للموجودات والمطلوبات بالعملات الأجنبية). إذا كنا نتحوط من مخاطر التقويم على سبيل المثال، فقد تكون الإستراتيجية تجاه التحوط من العملات الأجنبية أقل ديناميكية من الاستراتيجيات الأخرى. كذلك هناك ما يبرر اتباع نهج تحوط أكثر ديناميكية في سوق العملات الأجنبية إذا كانت مخاطر المعاملات أو ما يعرف بـــTransaction Risk هي مصدر القلق. تتمثل مخاطر المعاملات في تأثير أسعار العملات الأجنبية على الذمم الدائنة والمدينين أثناء سير العمل الروتيني.
الكيف تكمن في التفاصيل!
تختار بعض الشركات التحوط من مخاطر العملات الأجنبية من خلال استعمال نهج التحوط عن طريق الميزانية العمومية (وبالتالي تنتفي الحاجة للتحوط باستخدام المشتقات المالية). ومن ذلك، قد يؤدي تمويل العمليات والأعمال الخارجية بدين مقوم بالعملة الأجنبية نفسها إلى تخفيف مخاطر التعرض بالعملات الأجنبية. ولكن يبقى الخطر الأكبر في هذا النهج عندما تكون أرقام الذمم المدينة بالعملات الأجنبية وسداد الديون غير متوازنة ومتغيرة.
بدلاً من ذلك (وهو الأمر الاكثر شيوعاً) يمكن للشركة استخدام المشتقات المالية للتحوط من تعرضها للعملات الأجنبية. يتمتع هذا الأسلوب بميزة جوهرية وهي هيكلة منتج التحوط بشكل يطابق تماماً الاحتياجات الفعلية.
اختيار برنامج التحوط المناسب يعد أمراً جوهرياً. يمكن أن تكون برامج التحوط من العملات الأجنبية ذات طبيعة ثابتة (يتم تنفيذها مرة واحدة في السنة المالية) ، أو تتم إدارتها بشكل ديناميكي على مدار العام. في حين أن البرامج الثابتة تعمل بشكل جيد للتعرضات قصيرة الأجل والتي طالما ترتبط بدرجة عالية من اليقين ، فإن البرامج الديناميكية يتم تنفيذها على مدار السنة المالية لتخفيف تأثير تقلب أسعار الصرف على أرباح المنشأة.
هناك “كيف” أخرى لا تقل أهمية ألا وهي المتعلقة بتنفيذ التحوط. يأتي تنفيذ التحوط من مخاطر أسعار العملات الأجنبية بأشكال مختلفة لا حصر لها، ولكن من الضروري وضع بروتوكول تحوط فعال لتنفيذ استراتيجية عادلة وشفافة. يضمن هذا البروتوكول الحفاظ على إبقاء جميع التكاليف الإضافية إلى حدها الأدنى أو الغاءها مثل الأعباء الإضافية المتعلقة بحركة سعر السوق السلبية إبان تنفيذ عملية التحوط، وكذلك تفادي تنفيذ العمليات بهوامش أرباح ورسوم غير متفق عليها مع مقدمي منتجات التحوط.