اختبار التحمل : أداة ثمينة من أدوات إدارة المخاطر المالية
الشركات والمنشآت التجارية تعمل في بيئة ديناميكية ومعقدة إلى حد ما حيث تواجه مخاطر متعددة تشمل المخاطر المالية والإستراتيجية والإمتثال والمخاطر التشغيلية وغير ذلك. يمكن أن تهدد هذه المخاطر أهداف الشركة المالية. تلعب إدارة المخاطر دوراً حاسماً في ضمان استقرار ومرونة هذه الشركات. في الأوقات الصعبة، يمكن أن تصبح الأسواق شحيحة السيولة بشجل مفاجئ، ويمكن أن تُعَرِّضْ الضغوطات المتنوعة الشركة لتأثيرات سلبية على وضعها المالي. “اختبار التحمل” هو أداة ثمينة من أدوات إدارة المخاطر حيث تدعم الشركات للإستعداد لمختلف الأوضاع المالية السلبية المحتملة. ستناقش هذه المقالة مفهوم مختصر لأداة “اختبار التحمل” في إدارة المخاطر وأهميتها في ضمان استقرار ومرونة ونجاح الشركات.
ما هو "اختبار التحمل"، وما هي أهميته:
كل منشأة تجارية لها تقييم مخاطر فريد عما هو مقبول لدى المنشآت الأخرى، ويقصد به: تقييم المخاطر المحتملة التي قد تواجهها الشركة في تحقيق أهدافها. يتألف تقييم المخاطر من المخاطر الداخلية والخارجية ويتأثر بعوامل متعددة. يتيح “اختبار التحمل” للشركات تحديد نقاط الضعف وتقدير الخسائر المحتملة وتوفير رؤى حول نقاط الضعف في تقييم المخاطر للشركة. يتضمن “اختبار التحمل” تعريض محفظة الشركة لسيناريوهات افتراضية متعددة تؤدي إلى تأثيرات مالية جوهرية.
الشركات يجب أن تكون مستعدة بشكل أفضل لمواجهة عواصف مالية حادة. الأزمة الإقتصادية العالمية في عامي 2008 و2009 خير مثال على ذلك حيث شهد العالم أزمة اقتصادية عالمية خطيرة جداً بسبب انهيار فقاعة سوق العقارات الأمريكي، مما كشف عن نقاط ضعف كبيرة في إدارة المخاطر وفي استخدام أداة “اختبار التحمل”. جائحة كورونا (كوفيد-19) غير المسبوقة قدمت تحديات جمة للمنشآت التجارية مثل التقلب الشديد في الأسواق المالية عالميًا، وزيادة مخاطر الإئتمان ومخاطر الأعمال واضطرابات سلسلة الإمداد وارتفاع مخاطر السيولة. وينبغي الإشارة إلى أحدث أزمة مصرفية في الولايات المتحدة الأمريكية أوائل عام 2023م (والتي نجمت جزئياً عن أحد عوامل الاقتصاد الكلي، مثل ارتفاع أسعار الفائدة) حيث نتج عن هذه الأزمة مخاطر كبيرة تشمل المخاطر المنتظمة ومخاطر الإئتمان ومخاطر السوق ومخاطر حدوث ركود اقتصادي وأهمها تدهور الثقة في المؤسسات المالية.
هذا التطور في الأحداث يؤكد على ضرورة أن تقوم الشركات بالتحضير مسبقاً، وإجراء تحليل للسيناريوهات المختلفة، ووضع خطط احتياطية للأحداث الشديدة، وإجراء “اختبارات تحمل” دقيقة قدر الإمكان. وبالتالي، عندما تنهار الظروف السوقية العادية، يتم تصميم “اختبار التحمل” بشكل جيد لتقدير درجة الضعف في هذه الحالات. وتشمل الأهداف الرئيسية “لاختبار التحمل” ما يلي:
1) تحديد المخاطر وإدارتها :
“اختبار التحمل” يساعد في تحديد المخاطر المحتملة ونقاط الضعف التي قد لا تكون واضحة في ظروف السوق العادية وذلك من خلال تعريض الموقف المالي للشركة لأحداث قاسية وشديدة التأثير تُمَكِّنُها وتساعدها في كشف مواطن الضعف الخفي ومكامنه.
2) كفاية رأس المال وإدارة السيولة :
“اختبار التحمل” يقوم بتقييم ما إذا كان لدى الشركة رأس مال كافٍ لإستيعاب الخسائر التي يمكن أن تؤثر سلباً على المنظمة خلال الأحداث المعاكسة. يساعد “اختبار التحمل” في تقييم كفاية السيولة في حالة وقوع أحداث غير متوقعة على نطاق واسع.
3) اتخاذ القرارات :
الشركة ستستفيد من “اختبار التحمل” كونه سيعزز عملية اتخاذ القرارات المستنيرة من خلال توفير رؤى قيمة حول تقييم المخاطر في ظل الظروف الاقتصادية السلبية، وهذا بدوره سيسهم في تطوير خطط للتقليل من المخاطر المحتملة في جميع الظروف التي تتعرض لها الشركة.
ولهذا، من خلال جعل “اختبار التحمل” جزءًا أساسيًا من إدارة المخاطر على مستوى الشركة ، يمكن للشركة التعرف على أهميته. وينبغي دائماً التذكر أن “اختبار التحمل” يساعد في تحديد مدى استعداد الشركة للمخاطر، ووضع حدود للتعرض، وتقييم الإستراتيجيات، وأيضاً دعم عملية اتخاذ القرار في التخطيط الإستراتيجي.
أنواع اختبارات التحمل :
يتم إجراء مجموعة متنوعة من “اختبارات التحمل” في إدارة المخاطر . دعونا نلقي نظرة على بعض تلك الإختبارات الأكثر استخداماً على نطاق واسع:
1) تحليل السيناريوهات المختلفة :
يشمل تحليل السيناريوهات المختلفة تطوير سيناريوهات تاريخية أو احتمالية أو افتراضية لتحليل التأثير المحتمل لها . يساعد هذا النوع من التحليل إدارة الشركات في فهم كيف يمكن أن تؤثر المتغيرات المختلفة ، مثل أسعار الفائدة ، ومعدل التضخم ، وأسعار الصرف ، وأسعار الأسهم ، وأسعار السلع .. إلخ، على وضعها المالي المستقبلي . لقد استخدمنا تحليل السيناريوهات المختلفة بشكل واسع في مجال عملنا لنعرض لعملائنا الإرتباطات المعقدة بين عوامل المخاطر المتعددة ومؤشرات أدائها الرئيسية ذات الصلة.
2) اختبار التحمل العكسي :
هذا النوع من “اختبارات التحمل” يَفْتَرِضْ وجود نتيجة سلبية معروفة لدى إدارة الشركة ، ثم يسعى إلى تحديد الظروف والأسباب التي ستؤدي إلى تلك النتيجة . على سبيل المثال، نحن في شركة إحاطة المالية، نقوم بالتوضيح للعميل أنه من الممكن أن يكون هناك زيادة سريعة في أسعار الفائدة قد تؤثر على الشركة، وبناء على ذلك نضع بعض التساؤلات منها: كيف سيكون عمق الصدمة التي ستؤثر بشكل حاد على الشركة لتصبح سبباً في تدهور كبير للقيمة الإقتصادية لحقوق الملكية ؟ وما هي احتمالية وقوع مثل هذه الصدمة وأسباب ومكامن نشأتها؟
3) اختبار الحساسية :
هذا النوع يشمل تغييراً تدريجياً في أحد عوامل المخاطر (أو على عدد من عوامل المخاطر) والذي يتعين التعامل معه لتقديم إجابات على أسئلة “ماذا لو”. وعلى سبيل المثال، بالنسبة لصفقة مبادلة لأسعار الفائدة الحالية، ما مدى حساسية القيمة العادلة إلى التغير بنسبة 25 نقطة أساس إيجاباً أو سلباً أو بنسبة 50 نقطة أساس إيجاباً أو سلباً وهكذا؟
مبادئ اختبار التحمل :
بينما قد لا تفرض الجهات التنظيمية “اختبار التحمل” على جميع الشركات ، إلا أنه يُعترف على نطاق واسع بأنه أفضل ممارسة في إدارة المخاطر . ومع ذلك ؛ من أجل ضمان تقييم شامل للمخاطر ، فإنه من الضروري بناء إطار شامل لنمذجة مختلف السيناريوهات . وتجدر الإشارة إلى أنه من خلال اتباع مبادئ “اختبار التحمل” الأساسية، يمكن للشركة تعزيز قدرتها على التعرف على المخاطر المحتملة وإدارتها بشكل استباقي.
يمكن اتباع المبادئ الأساسية التالية: يجب أن تكون عملية التخطيط “لاختبار التحمل” معقولة، ومتكيفة مع الأوضاع المختلفة، ويمكن التقرير عنها بسهولة. ينبغي أن يُمَكِّنْ “اختبار التحمل” إدارة المنشأة من فهم العلاقة السببية بين الضغوط والتغيرات السوقية المختلفة في عملية تقييم المخاطر للشركة . ينبغي أن يساعد التقييم للمخاطر إدارة الشركة في تطوير خطط عمل فعلية لمعالجة المخاطر الخاصة بها ، وتحسين زيادة رأس المال عند ظهور الضغوطات ، ومحاولة حماية الأرباح ، والمساهمة في تطوير عملية إدارة المخاطر بشكل عام .
خاتمة
من خلال استخدام “اختبار التحمل” كأداة من أدوات إدارة المخاطر التي تستهدف استشراف المستقبل ، يمكننا تقييم التأثير المحتمل للأحداث غير المتوقعة على وضع الشركة المالي وبناء خطة إستراتيجية للتحوط . وينبغي التأكيد على أنه سواء تم استخدام تحليل السيناريوهات المختلفة أو اختبار التحمل العكسي أو تحليل الحساسية أو أي نوع آخر من “اختبارات التحمل” ، فإن ما يستفاد من تطبيق أي نوع منها سيساعد الشركات على تعزيز مرونتها ، وضمان استدامة أعمالها ، وتمكين اتخاذ القرارات الإستراتيجية لإدارتها ، وأيضاً سيكون لهذا التطبيق دوراً حاسماً في الحفاظ على الإستقرار والديمومة المالية للمنشأة كونها العمود الفقري للأعمال .