مراعاة المخاطر الاقتصادية

مراعاة المخاطر الاقتصادية

نشر صندوق النقد الدولي في شهر يوليو الماضي تقريره الخاص بآفاق الاقتصاد العالمي والذي تضمن توقعات سلبية خلال السنة الحالية. كما أشار أيضا أن الصندوق يعتقد أن المخاطر التي ذكرها الصندوق في مناسبات سابقة قد بدأت تتجسد وسط تنبؤات بتباطؤ شديد قد تشهده أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم – الولايات المتحدة الأمريكية و الصين و الاتحاد الأوروبي – خلال الأشهر القادمة.

في تقريره السابق والمنشور في أبريل الماضي، قام الصندوق بتخفيض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي للعام الحالي 2022م إلى 3.6%.وفي هذا التقرير، قام الصندوق بتخفيض توقعاته للنمو المستقبلي مرة أخرى إلى 3.2%. تمثل هذه المراجعات نزولاً ملحوظًا من مستويات العام السابق حيث شهد الاقتصاد نموًا بنسبة 6.1%. وذكر رئيس الأبحاث في الصندوق أن العالم قد يكون مقبلًا على ركود عالمي آخر، وذلك بعد مرور عامين فقط على الركود الأخير، والذي كان نتيجة لانتشار فيروس كوفيد-19.

وأشار الصندوق في تقريره إلى ثلاثة تحديات رئيسية تواجه الاقتصاد والتي تمثل السبب الرئيسي لقلق الصندوق. أولها نسب التضخم العالية التي عصفت بمعظم اقتصاديات العالم الغربي. التحدي الآخر متمثلًا بالصراع الروسي-الأوكراني الذي بدأ في شهر فبراير من العام الحالي والمتسبب في ضغوطات سلبية على أسواق السلع. فقد شهدت أسعار الطاقة ومعظم السلع الزراعية ارتفاعًا ملحوظًا منذ بدء الصراع نتيجة المخاوف من تأثر مستويات العرض لهذه المنتجات. التحدي الأخير، أو السبب الأخير، لقلق الصندوق هو جائحة الكوفيد-19 وما قد تسببت به من آثار سلبية جدًا لأغلب اقتصادات العالم، مع وجود دول لم تستطع التشافي حتى الان من تلك الآثار والعودة الى مستوياتها الطبيعية لما قبل الجائحة. كما أشار الصندوق أن الأداء الضعيف للاقتصاد الصيني أتى بأقل مما هو متوقع، نتيجة لتفشي الفيروس في بعض المناطق وعمليات الإغلاق المتكررة. هذه التحديات، المذكورة آنفًا، مصحوبة بعدة إجراءات لمحاربتها، متوقع لها أن تقود النمو في الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي بنسب 2.3%، 3.3% و 2.6% على التوالي.

إن الاقتصاد الأمريكي يعتبر الان وحسب التعريف الرسمي للركود الاقتصادي في حالة ركود وذلك بعد أن شهد الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة انخفاضًا لربعين متتاليين بالإضافة الى ذلك، وحسب تقرير صندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد العالمي من المتوقع له أن ينمو بنسبة 2.9% في العام القادم 2023م نتيجةً لهذه التحديات. ويعتبر هذا النمو أعلى بشكل طفيف 2.5% وهي نسبة النمو المعبرة عن وجود ركود اقتصادي عالمي حسب تعريفات صندوق النقد الدولي.

من المهم أيضًا عدم تجاهل أنه برغم خفض الصندوق لتوقعاته وتعبيره عن القلق من وجود ركود اقتصادي يلوح بالأفق، إلا أنه قد ذكر أن بعض الدول كالمملكة العربية السعودية والهند لازال من المتوقع لها أن تحقق أرقامًا مميزة على الصعيد الاقتصادي. يتوقع الصندوق نمو بنسبة 7.6%  للاقتصاد السعودي هذا العام مدعومًا بارتفاع الطلب على النفط عالميًا بعد تحرر عديد من الدول من قيود جائحة كورونا. ويتوقع الصندوق أيضًا نمو القطاع غير النفطي بالمملكة بنسبة 4.2%  واحتواء مستويات التضخم عند 2.8%  للعام 2022م.

على الرغم من ذلك، لا يزال للظروف العالمية أثر على المستوى المحلي بشكل أو آخر. بعض هذه الآثار والتي شهدنا انعكاساتها بالفعل على المستوى المحلي كانت في الاضطرابات التي شهدتها أسواق السلع الغذائية وارتفاعات أسعار الفائدة. من خلال محاولته التغلب على أسعار التضخم، قام الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة من 0.25% في بداية 2022م الى 2.5% في آخر اجتماعاته في شهر يوليو الماضي. نتيجةً لذلك، قامت معظم البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي برفع أسعار الفائدة للحفاظ على استقرار الأسعار. ومن المتوقع أن تتسبب أسعار الفائدة المرتفعة حاليًا بعزوف بعض الشركات عن التوسع في عمليات الاقتراض والدخول في عمليات تحوط على قروضها القائمة. إن الظروف الحالية من عدم اليقين وزيادة الضغوط الاقتصادية، دفعت بالعديد من الشركات الى تطوير نماذج عملياتها والعمل على نماذج جديدة أيضًا بالإضافة الى تعزيز الحوكمة.

إن الظروف الحالية من عدم اليقين وزيادة الضغوط الاقتصادية دفعت بالعديد من الشركات الى تطوير نماذج عملياتها والعمل على نماذج جديدة أيضًا بالإضافة الى تعزيز الحوكمة.

نظرة على أسعار الفائدة

في محاولته كبح جماح التضخم، الذي وصل لأعلى مستوياته في الأربعين عامًا الأخيرة. قام الاحتياطي الفيدرالي بسلسلة ارتفاعات لأسعار الفائدة بدءًا من شهر مارس الماضي. وفي شهر يوليو كان الارتفاع الأخير لهذا العام والأعلى بـ 75 نقطة أساس. وقد أكد رئيس الاحتياطي الفيدرالي في خطابه الأخير استعداده لرفع أسعار الفائدة لمستويات أعلى مع ابقائها عند تلك المستويات حتى ينخفض التضخم الى النسبة المستهدفة 2%. كما أوضح رئيس الفيدرالي أن تشديد السياسة النقدية من الممكن أن يؤدي الى إبطاء النمو الاقتصادي وارتفاع في نسب البطالة. فيما يخص الأسواق، فإنها تتوقع ارتفاعًا بـ 75 نقطة أساس أخرى في الاجتماع القادم للفيدرالي في شهر سبتمبر. ويعتقد بعض الاقتصاديين أن أسعار الفائدة يجب أن تظل عند مستويات الـ 4% أو أكثر حتى يحقق الفيدرالي هدفه بخفض التضخم للهدف المنشود.

المصدر: بلومبيرج

يوضح الرسم البياني في الأعلى أسعار الفائدة مقابل معدل اللايبور الأمريكي لثلاثة أشهر بالإضافة الى العائد على سندات الخزينة

الأمريكية لعامين وعشرة أعوام منذ العام 2000م. في أسفل الرسم، نرى تطور حركة الفارق ما بين العائد على سندات الخزينة للعامين والعشرة أعوام. في حين أن العائد على سندات الخزينة لعامين يتحرك بشكل وثيق مع أسعار الفائدة، إلا أن الفارق بين سندات الخزينة يقل كلما ارتفعت أسعار الفائدة (تشديد السياسة النقدية من الفيدرالي)، وعكس ذلك صحيح.

بالإضافة الى ارتفاع أسعار الفائدة بشكل ملحوظ في بداية العام إلا أنها لازالت تتحرك بشكل مثير للاستغراب. منذ شهر مارس الماضي، أغلب منحنيات العائد معكوسة (وتسمى كذلك مقلوبة)، ما يعني ارتفاع العوائد على المدى القصير لمستويات أعلى من المدى البعيد (الطويل). المنحنى المعكوس يرتبط عادة بتباطؤ اقتصادي. بالرغم من وجود هذه الحركة في أسعار الفائدة للفترة الأغلب من هذا العام، إلا أن الانعكاس قد شهد ازديادًا في الفترة الأخيرة. في بدايات شهر أغسطس الماضي، كان العائد على سندات الخزينة لعامين أعلى من العشرة أعوام بما يقارب الخمسين نقطة أساس. هذه مستويات لم يشهدها الاقتصاد الأمريكي منذ عام 2000م، وقد تباطئ الاقتصاد الأمريكي في ذلك الوقت بشكل ملحوظ، في الفترة المعروفة المسماة بفقاعة الإنترنت.

مخاطر اقتصادية

إن مستويات التوظيف الجيدة واستقرار التضخم تعتبر من العوامل المؤدية الى الاستقرار في الاقتصاد الكلي والسياسات النقدية. والعكس صحيح، فمستويات التضخم المرتفعة تعتبر مؤشر على عدم التوازن المالي، مما قد يؤثر على العديد من الأطراف المشاركة في الاقتصاد. كما ذكرنا سابقًا، فتوقعات الصندوق الأخيرة ومنحنى العائد المعكوس، جميعها مؤشرات على تباطؤ اقتصادي على المستوى القريب. هذه الأحداث عادة تكون مترابطة الحدوث في الاقتصاد العالمي، وبالرغم من صعوبة التنبؤ بها إلا أنها تعتبر من المخاطر على الاقتصاد. لذلك، فإنه من المهم توظيف جميع الاجراءات التي من شأنها أن تشكل حاجز حماية ضد هذه المخاطر عند حدوثها. إن احتمالية حصول مثل هذه الأحداث هي ما يمثل المخاطر الاقتصادية.

إن المخاطر الاقتصادية هي احتمالة حصول بعض الأحداث على مستوى الاقتصاد والتي من شأنها أن تؤثر على الأداء المالي لشركة ما. والمخاطر الاقتصادية تؤثر على ربحية جميع المتعاملين بالسوق.

إن المخاطر الاقتصادية هي احتمالية حصول بعض الأحداث على مستوى الاقتصاد والتي من شأنها أن تؤثر على الأداء المالي لشركة ما. ويشار الى هذا النوع من المخاطر أيضًا بالمخاطر المنتظمة، حيث إن تأثيرها يمتد الى القطاع بأكمله وليس محدود بفرد أو شركة معينة. المخاطر الاقتصادية تؤثر على ربحية جميع المتعاملين بالسوق. فعند حدوث تباطؤ اقتصادي، ترتفع تكلفة التمويل، ونتيجة لذلك ستكون المؤسسات المالية بين خيارين، إما تقليل العروض التمويلية أو زيادة أسعار الفائدة على المقترضين، ما قد يسبب تذبذب ملحوظ على أسعار الصرف وقد يؤثر أيضًا على السياسة المالية والتشريعات. إن لهذه الأحداث عادة أكثر من مسبب، وقد تتخللها عدة فترات من الركود الاقتصادي، وتأثيرات الأحداث الجيوسياسية واضطرابات في سلاسل الإمداد للسلع الأساسية وارتفاع في الأسعار، وأكثر.

على الرغم من أن المخاطر لا يمكن الغاءها بالكامل، الا أنه يمكن التقليل من أثرها، وذلك من خلال توظيف بعض التدابير أو الاحتياطات التي من شأنها مساعدة الشركات على العبور بسلام خلال المخاطر الاقتصادية، بل وحتى الازدهار خلال أوقات التباطؤ. إن الأسلوب المتبع مشابه الى حد ما لأسلوب إدارة مخاطر السوق، ويشمل التالي:-

  • تحديد مصادر الخطر
  • حساب المخاطر
  • إدارة المخاطر
  • مراقبة الأداء

أحد الأساليب الموصى بها هو البدء بوضع إطار عمل في الشركة بأقرب وقت ممكن وتعريف مؤشرات قياس الأداء التي تعتقد الشركة أنه يجب الحفاظ عليها وحمايتها. إن الوضع الحالي للمخاطر الاقتصادية يحتم على الشركات ليس فقط أن تقيس مدى قابلية مؤشراتها الخاصة بقياس الأداء على تقلبات أسعار الفائدة وأسعار الصرف، بل و متابعة العوائد التي قد تتأثر تبعًا للتباطؤ الاقتصادي. إن وجود إجراءات وسياسات جاهزة وقابلة للتطبيق من شأنه توفير التوجيه السليم عند القيام بعملية تحوط على سبيل المثال، أو من أجل التأكد من الحفاظ على مستويات المخزون عند مستوىً معين، و هو ما يثبت أهميته في فترات الاضطرابات الاقتصادية. بالإضافة الى ذلك أيضًا، من الممكن التركيز على تحسين توقعات التدفقات النقدية والاستثمار في تقنيات جديدة، للتأكد من قدرة الشركة على الاستمرار خلال الأوقات الصعبة.

إن الظروف الاقتصادية الحالية تظهر لنا مدى قوة تأثيرها وتداعياتها. ففي خلال فترة قصيرة نسبيًا، شهد العالم عدة أحداث متتالية لم يكن من الممكن التنبؤ بها والتي بدورها سببت صدمات مالية متتابعة على الأسواق العالمية. هذه الأحداث تظهر أن التحديات التي تواجهها الشركات تأتي من مخاطر ذات عوامل مختلفة. بالتالي تعتبر هذه التطورات محفزة للشركات على أن تعيد تقييم مخاطرها وأن تقوم بتطوير إطار العمل الخاص بالمخاطر للتأكد من قدرتها على النمو والنجاح في بيئة مضطربة من حالة عدم اليقين.  بينما المؤشرات الصادرة من الاقتصاديين وأداء السوق تشير الى احتمالية تباطؤ اقتصادي، يجب على الشركات اتخاذ التدابير اللازمة للتأكد من أنها لن تكون خاضعة بالكلية لأحداث خارجة عن إرادتها وأن تكون قادرة على العبور، بل والازدهار خلال فترات الاضطراب.

دور سياسات التيسير الكمي
دعونا نتحدث عن العقود المستقبلية للأسهم المفردة
القائمة