قياس مخاطر الائتمان للطرف المقابل

قياس مخاطر الائتمان للطرف المقابل

عانت العديد من المؤسسات المالية والشركات خلال الأزمة المالية للعام 2008 بسبب تدهور القيم العادلة لأصول مشتقاتها المتداولة خارج البورصة (OTC) ما أثر سلبًا على ميزانيَاتها العمومية. ونظرًا لأن عقود المشتقات كان يتم تقييمها على أساس افتراض حيادية المخاطرة، أي أنه لا يُتوقع أن يتخلّف أي طرف عن الوفاء بالتزاماته، خاصة حينما يكون الطرف المقابل ذو سمعة حسنة ويفترض السوق بأنها مؤسسة مالية “أكبر من أن تفشل”. ومع ذلك، فقد أدى انهيار العديد من الشركات بالإضافة لسقوط بنك ليمان برذرز المدوي إلى تغيير هذه النظرة في الأسواق، وبدأ احتساب مخاطر الائتمان للطرف المقابل (CCR) ووضع جودة الائتمان للطرف المقابل في الحسبان من خلال حساب تعديل التقييم الائتماني (CVA).

عرَف بنك التسويات الدولي (BIS) تعديل التقييم الائتماني كتعديل للقيمة العادلة (أو السعر) للمشتقات لحساب مخاطر الائتمان للطرف المقابل. بمعنى آخر، هو خصم للقيمة العادلة، وقد تم تقديم هذا المفهوم كتحسين لمحاسبة القيمة العادلة للأدوات المالية في 2007/2008، بالتزامن مصادفةً مع الأزمة المالية العالمية. تجدر الإشارة إلى أن المشتقات المتداولة في البورصة لا تأخذ في الحسبان مخاطر الائتمان للطرف المقابل في قيمتها حيث يتم تقليل هذه المخاطر إلى الحد الأدنى من خلال عمل البورصة كوسيط بين الطرفين.

بالإمكان حساب تعديل التقييم الائتماني للأدوات المالية، كالسندات، بشكل أسهل نسبيًا مما في حالة عقود المشتقات. فالتدفقات النقدية المستقبلية للسندات قابلة للتنبؤ، وبالتالي يمكن حساب التعرض للائتمان على أنه الفرق بين السندات الخالية من المخاطر والسندات المعرَضة للمخاطر. من الناحية الأخرى، تعتبر المشتقات المالية أكثر تعقيدًا لأن تدفقاتها النقدية تختلف بمرور الوقت ولا يمكن التنبؤ بها دائمًا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تصنيف الشتقات كأدوات أحادية أو ثنائية، حسب طريقة عمل المشتق المالي. في حالة المشتري لسقف معدل الفائدة (Interest Rate Cap)، على سبيل المثال، سيتم عكسه دائمًا في الميزانية العمومية كأصل حتى تاريخ انتهاء العقد، وسيكون المشتري معرَض لمخاطر عدم وفاء الطرف المقابل بالتزاماته في حالة تعرضه لمشكلات في السيولة أو إفلاس. بينما البائع لن يكون لديه تعرض مماثل للمشتري، في حال أن المشتري قد قام بدفع علاوة شراءه لسقف الفائدة مقدمَا. بعبارة أخرى، فإن ملاءة المشتري المالية وجدارته الائتمانية لن تعرض البائع لمخاطر ائتمانية إضافية. هذا فيما يخص المشتقات المالية أحادية الجانب، حيث مخاطر الأتمان للطرف المقابل ذات اتجاه واحد فقط.

من ناحية أخرى، فإن الأدوات الثنائية كمقايضات أسعار الفائدة (Swaps) لها مخاطر ائتمانية للطرف المقابل تسير في كلا الاتجاهين. نظرًا لأن القيمة العادلة لمقايضات أسعار الفائدة يمكن أن تتأرجح ما بين أصل والتزام اعتمادًا على عوامل السوق المختلفة. هذه الطبيعة للأداة تعرض كل طرف لاحتمال عدم وفاء الطرف الآخر بالتزاماته.

تتمثل إحدى الطرق المطبّقة على نطاق واسع لتقدير مخاطر الائتمان للطرف المقابل في الأدوات الثنائية في حساب تعديل التقييم الائتماني الثنائي (BCVA). وهو ناتج جمع تعديل التقييم الائتماني ، وتعديل قيمة الخصم (DVA) والذي قد يعتبر مفهوم غير بديهي ويمكن اعتباره مكسبًا حيث إنه يمثل خصم من قيمة التزام الكيان الخاص في المحاسبة عن مخاطر الائتمان الخاصة به. من هذا المنطلق، فأن الـ (DVA) يمكن اعتبارها بمثابة (CVA) للطرف المقابل. وكلا هذين التعديلين، التعديل الائتماني وقيمة الخصم، يتم حسابهم بنفس الطريقة.

أساليب قياس مختلفة

لايوجد طريقة أو أسلوب محدد متَبع لاحتساب قيمة الـ (CVA)، ويعتمد الأسلوب المتَبع عادةً على إمكانيات أصحاب المصلحة والموارد المتاحة، سواء من برامج حوسبة أو نماذج مالية، التي بإمكانهم الاستفادة منها. أحد الأساليب المتبعة في حساب التعديل الائتماني تكون عن طريق حساب مجموع الخسائر المتوقعة مستقبلًا حتى تاريخ استحقاق المشتق المالي. يتضمن هذا النهج استخدام محاكاة مونت كارلو لنمذجة سيناريوهات مختلفة للحصول على التعرضات المحتملة للمشتق المالي في ظل ظروف السوق المختلفة. ومن ثم يتم حساب قيمة الـ (CVA) وفقًا للمعادلة المذكورة أدناه، والتي تتضمن ثلاثة عناصر. الخسارة في حالة التخلف عن السداد (LGD)، والتي تمثل النسبة المئوية لقيمة الخسارة عند تخلف الطرف المقابل عن السداد. العنصر الثاني هو التعرض المتوقع (EE)، والذي يمثل الجانب الإيجابي فقط من القيمة العادلة (MtM) المتوقعة في التواريخ المستقبلية والتي تمثل الخسارة المتوقعة في حالة تعثر الطرف المقابل. والعنصر الأخير هو احتمالية التعثر (PD)، والذي يمثل انعكاس للجدارة الائتمانية للطرف المقابل و الهوامش الائتمانية الخاصة به. ويمكن الحصول على الهوامش الائتمانية من أحدث إصدارات السندات أو الاقتراضات أو وكالات التصنيف الائتماني أو مقايضات التخلف عن السداد (CDS) للطرف المقابل.

وبالنظر إلى الموضوع من الجانب الآخر، فسوف يقوم أيضًا الكيان بالأخذ في الحسبان مخاطر الائتمان الخاصة به عن طريق احتساب الـ (DVA)، والتي يمكن حسابها باستخدام المعادلة المذكورة أعلاه مع وجود اختلاف واحد. حيث يتم استبدال الـ (EE) بالتعرض السلبي المتوقع (NEE)، والتي تعبر عن الجانب السلبي من القيمة العادلة  المتوقعة مستقبلاً. وناتج جمع هذين التغييرين ينتج لنا تعديل التقييم الائتماني الثنائي.

لايوجد طريقة أو أسلوب محدد متَبع لاحتساب قيمة الـ (CVA)، ويعتمد الأسلوب المتَبع عادةً على إمكانيات أصحاب المصلحة والموارد المتاحة، سواء من برامج حوسبة أو نماذم مالية، التي يمكنهم الاستفادة منها

اعتبارات خاصة بمحاسبة التحوط

يتطلب المعيار المحاسبي (IFRS13)، وهو المعيار المتعلق بقياس القيمة العادلة، أخذ الجدارة الائتمانية للطرف المقابل ومخاطر الائتمان الخاصة بالكيان نفسه بعين الاعتبار في تقييم أدوات المشتقات المالية (BCVA). هذا المتطلب له آثار على محاسبة التحوط حيث إن المعيار المحاسبي (IFRS9) لا يقدم إرشادات محددة حول دمج مخاطر الائتمان كالـ CVA والـ DVA في القيمة العادلة للمشتق المالي أو في تقييم المشتق الافتراضي عند إجراء اختبار فعالية التحوط.

وكما ذكر في المقالة السابقة الخاصة بمحاسبة التحوط، يتم قياس فعالية التحوط من خلال إنشاء مشتق افتراضي يطابق البند المغطى تمامًا ويقارن تغيرات قيمته العادلة مع أداة التحوط (أي المشتق الفعلي).

أن المعيار المحاسبي (IFRS9) لا يقدم إرشادات محددة حول دمج مخاطر الائتمان كالـ CVA و DVA في القيمة العادلة للمشتق المالي أو في تقييم المشتق الافتراضي عند إجراء اختبار فعالية التحوط

وبما أن المعيار لم يوضَح ما إذا كان يجب أخذ المخاطر الائتمانية في الاعتبار عند حساب القيمة العادلة للمشتق الافتراضي، فإنه يوجد سبب منطقي يجعل من الأجدى استبعاد تأثير مخاطر الائتمان من حساب القيمة العادلة للمشتق الافتراضي. فتدهور الجدارة الائتمانية للطرف المقابل سيكون له تأثير مباشر على فعالية التحوط ، حتى وإن كان المشتق المالي يمثِل أداة تحوط مثالية.

ختامًا، إن الـ (CVA) هي أداة لحساب المخاطر الائتمانية للطرف المقابل من أجل الوصول إلى قيمة عادلة للمشتق المالي بقدر أكبر من الدقَة. ولكن يظل التعديل الائتماني ليس الوحيد الذي يمكن أخذه في الاعتبار، فيمكن أيضًا أخذ عناصر أخرى مثل مخاطر السيولة ومخاطر التمويل كتعديلات للقيمة العادلة.

كيف يمكن للحسبة الخاطئة لتكلفة أسعار الفائدة أن تعرقل المشاريع
إنها وقفة وليست تغير مسار: ملخص لأحدث قرار من الفيدرالي الأمريكي
القائمة