إنها وقفة وليست تغير مسار: ملخص لأحدث قرار من الفيدرالي الأمريكي

إنها وقفة وليست تغير مسار: ملخص لأحدث قرار من الفيدرالي الأمريكي

في اجتماع يونيو، قرر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بعد عشر زيادات متتالية في سعر الفائدة الأساسي للإقراض عدم اتخاذ أي إجراء إضافي بشأن السعر، وهو قرار توقعته الأسواق. ومع ذلك، ترك البنك المركزي الباب مفتوحًا أمام إمكانية رفع الأسعار في المستقبل القريب بواقع زيادتين إضافيتين بمقدار 25 نقطة أساس على الأقل هذا العام.

من الجدير بالذكر أن أهداف الاحتياطي الفيدرالي الرئيسية هي استقرار الأسعار والوصول الى مستويات قصوى في التوظيف مع الحفاظ على أسعار فائدة معتدلة على المدى الطويل. من خلال ضبط السياسة النقدية، مثل تغيير أسعار الفائدة أو شراء (بيع) السندات، يمكن للفيدرالي تحقيق أهدافه وتنظيم الأسواق المالية. عندما بدأت أرقام التضخم في تجاوز هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% بشكل كبير، مما أضر بأحد أهدافه الرئيسية، قام بتغيير سياسته النقدية التوسعية وبدأ برفع الأسعار في أوائل 2022. في بداية دورة رفع أسعار الفائدة، كان الهدف واضحًا؛ زيادة تكاليف الاقتراض بمعدل هو الأسرع خلال الأربعين عامًا الماضية، ثم مراقبة الآثار الاقتصادية المتأخرة. مع وصول سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية الآن إلى أعلى مستوى له منذ سبتمبر 2007، عند 5%-5.25%، أصبح الوضع أكثر تعقيدًا.

الظروف الاقتصادية المطلوبة لم تتحقق بعد، كما أشار رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول: “لقد رأينا تأثيرات تشديد سياستنا على الطلب في القطاعات الأكثر حساسية لأسعار الفائدة في الاقتصاد”، وقال لاحقًا: “لكن الأمر سيستغرق وقتا حتى تتحقق الآثار الكاملة للقيود النقدية، خاصة على التضخم”. كانت الأسواق المالية تتساءل حول متى سيتحول الاحتياطي الفيدرالي عن سياسته المشددة الحالية. بحسب بعض المعايير، قد يعتقد البعض أن مثل هذا التحول قد حدث بالفعل، كما يتضح من الزيادات الأصغر في أسعار الفائدة مؤخرا أو حتى التوقف المؤقت في زيادة الأسعار. نظرًا لتداعياتها على السياسة النقدية للمملكة العربية السعودية، سيقدم هذا المقال نظره عن السياق التاريخي ومراجعة لبعض المؤشرات الاقتصادية الكلية الرئيسية وسوف يناقش الأساس المنطقي وراء الإبقاء على معدلات فائدة تقييدية كأداة للسيطرة على التضخم.

السياق التاريخي ومؤشرات الاقتصاد الكلي

منذ اعتماد العملة الورقية كمخزن للقيمة، كانت السيطرة على التضخم مصدر قلق بالغ لمعظم الاقتصادات. في السنوات الأخيرة، لجأ العديد من البنوك المركزية إلى منهج يعرف باسم استهداف التضخم لتنظيم الزيادة العامة في الأسعار.

في السنوات الأخيرة، لجأ العديد من البنوك المركزية إلى منهج يعرف باسم استهداف التضخم لتنظيم الزيادة العامة في الأسعار

تستخدم البنوك المركزية توقعات التضخم المستقبلي للمقارنة مع معدل التضخم المستهدف الذي تحدده الحكومة باعتباره الأمثل للاقتصاد. إذا كان هناك اختلاف بين التوقعات والهدف، فسيكون من الضروري إجراء تعديلات على السياسة النقدية. لكي يعمل هذا الإطار، يجب توافر شرطين. أولاً، يجب أن يتمكن البنك المركزي من إدارة السياسة النقدية بدرجة معينة من الاستقلالية (أي لا يمكن أن تؤثر اعتبارات السياسة المالية على السياسة النقدية). ثانيًا، يجب أن تكون السلطات النقدية على استعداد وقدرة على تجنب استهداف مؤشرات أخرى، مثل الأجور أو التوظيف أو أسعار الصرف.

في عام 1989، أصبحت نيوزيلندا أول دولة تتبنى استهداف التضخم، وهي سياسة اعتمدتها العديد من الاقتصادات الأخرى حول العالم منذ ذلك الحين. لم تنتهج الولايات المتحدة سياسة مماثلة حتى عام 2012، معلنة أن معدل التضخم المستهدف هو 2%. تجدر الاشارة، أن مثل هذه السياسة غير مثمرة في حال كان اقتصاد ما يتبنى نظام ربط العملة وتثبيت سعر الصرف، حيث عادةً ما ترتكز أهداف التضخم لدى هذا الاقتصاد بتلك الخاصة بالعملة المربوطة.

مكافحة التضخم المرتفع تتطلب تنفيذ فترات من السياسة النقدية المشددة. في الولايات المتحدة، يعتبر عهد فولكر في أوائل الثمانينيات مثالًا جيدًا على ذلك. في السبعينيات، اتخذ الاحتياطي الفيدرالي موقفًا أكثر تشددًا في ضوء ارتفاع معدل التضخم. ومع ذلك، في مواجهة ارتفاع معدل البطالة، قرر الاحتياطي الفيدرالي تخفيف سياسته قبل أن تتم معالجة التضخم بشكل كامل. بلغ معدل التضخم السنوي إلى أدنى مستوى له بنسبة 5% في ديسمبر 1976؛ ومع ذلك، ارتفع في وقت لاحق، حيث بلغ ذروته في 1980 عند 11.6%.

بحلول ذلك الوقت، وصل معدل الفائدة على أموال الاحتياطي الفيدرالي إلى مستوى قياسي مرتفع يبلغ 20%. وفي نهاية المطاف، بحلول عام 1983، تم احتواء التضخم الى مستويات أقل من 4%، على الرغم من أن ذلك تحقق على حساب حدوث ركودين اقتصاديين ومعدل بطالة بلغ 10.8%، وهو أعلى مستوى بطالة منذ الحرب العالمية، لم يتم تجاوزه حتى أزمة فيروس كورونا في عام 2020. وبالتالي، استغرق الأمر سنوات من المعاناة للوصول إلى نقطة كان من المناسب فيها أن يغير الاحتياطي الفيدرالي مساره ويبدأ في خفض الأسعار، مما مكّن بعد ذلك فترة نمو مستدامة ومستويات تضخم منخفضة.

في اجتماع يونيو، تم توضيح أن هذا التوقف المؤقت لا يعني أن الاحتياطي الفيدرالي قد وصل إلى سعر الفائدة النهائي؛ بل من المتوقع حدوث ارتفاعات أخرى كما أشارت إلى ذلك توقعات متوسط معدل سعر الفائدة الفيدرالي في نهاية شهر يونيو مقارنة بتلك المتوقعة في مارس (الرسم البياني العلوي الأيسر). تشير التعديلات على النمو الاقتصادي الحقيقي (الناتج المحلي الإجمالي) هذا العام إلى أن اقتصاد الولايات المتحدة أكثر مرونة مما توقعه الاحتياطي الفيدرالي، وسيظل عليه أن يهدأ لتقليل الضغط على الأسعار (الرسم البياني العلوي الأيمن). وبالمثل، خفض المشاركون توقعاتهم لمعدل البطالة هذا العام إلى 4.1%، انخفاضًا من 4.5% المتوقعة سابقًا، معترفين أن سوق العمل لا يزال صلبًا، ومع ذلك لا يزالون يتوقعون أن معدل البطالة سيرتفع إلى 4.5٪ بحلول عام 2024 (الرسم البياني السفلي الأيسر). فيما يتعلق بالطريقة المفضلة للاحتياطي الفيدرالي لقياس التضخم، تمت مراجعة التوقعات المتعلقة بمؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي (PCE) صعودًا لعام 2023، حيث يتوقع المشاركون الآن 3.9% على عكس التوقعات السابقة عند 3.6%. يشير هذا إلى أنه بينما يتباطأ التضخم، فإنه يقوم بذلك بوتيرة أبطأ مما كان متوقعًا سابقًا (الرسم البياني السفلي الأيمن).

المصدر: الاحتياطي الفيدرالي

ميزان المخاطر

عندما يشير الاحتياطي الفيدرالي إلى “ميزان المخاطر”، فإنه يعني عمومًا أنه يهدف إلى مراعاة جميع العوامل التي يمكن أن تؤثر بشكل محتمل على الاقتصاد عند اتخاذ قرار بشأن السياسة النقدية. تتراوح هذه العوامل من المخاطر الاقتصادية والمالية إلى المخاطر الجيوسياسية.

تعكس التوقعات المشددة لمعدل الفائدة الفيدرالية كلا من توقعات التضخم المعدلة بالزيادة والظروف الاقتصادية المستمرة على مدار الـ 15 شهرًا منذ أن بدأ البنك المركزي جهوده لتهدئة الاقتصاد وإدارة الزيادات السريعة في الأسعار. قد يجادل البعض حول ضرورة التوقف في هذه المرحلة، حيث إن الحجة الداعية الى رفع الأسعار أكثر إقناعًا. ومع ذلك، أوضح بيان السياسة بوضوح أنه من خلال الحفاظ على النطاق المستهدف ثابتًا في هذا الاجتماع ، ستكون اللجنة قادرة على تقييم مزيد من المعلومات وآثارها على السياسة النقدية.

تعكس التوقعات المشددة لمعدل الفائدة الفيدرالية كلا من توقعات التضخم المعدلة بالزيادة والظروف الاقتصادية المستمرة

يمكنك أيضًا تفهم الحجة الداعية باتخاذ موقف انتظار ومراقبة بالنظر الى التأثير المتأخر المعتاد للسياسة النقدية على النشاط الاقتصادي. يصبح هذا أكثر أهمية عندما يواجه الاقتصاد خطر الركود والمزيد من الضغوطات المصرفية – في إشارة إلى فشل بعض البنوك الإقليمية في شهري مارس ومايو من هذا العام. ومع ذلك، يبدو الاحتياطي الفيدرالي ملتزمًا بجهوده لاحتواء التضخم، كما لوحظ في إشارة الرئيس باول إلى تصميم رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق بول فولكر على خفض التضخم، على الرغم من معارضة أسلوبه.

من الجدير بالذكر أنه يمكن إدارة التضخم أيضًا عبر السياسات التي تهدف إلى زيادة القدرة الإنتاجية للاقتصاد. ومع ذلك، فإن هذه السياسات تستغرق وقتًا وعادة ما تكون مصحوبة بسياسات مثل السياسات النقدية والمالية للسيطرة على المستويات المرتفعة للتضخم. تكمن المخاطر المرتبطة بالتضخم المرتفع في تأثيرها المدمّر على ثقة المستهلكين والنمو الاقتصادي وعدم المساواة في الدخل. وبالتالي، أعتقد أنه من المرجح أن يواصل بنك الاحتياطي الفيدرالي تشديد السياسة النقدية والحفاظ على أسعار الفائدة المقيّدة للسيطرة على التضخم. ومن شأن هذا الموقف أن يضمن الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل، خاصة عند مراعاة السياق التاريخي والأخذ بعين الاعتبار التوقعات الحالية لمؤشرات الاقتصاد الكلي ذات الصلة. في حين أن هذه السياسة يمكن أن تسبب آثارًا قصيرة المدى على النمو والاقتراض، إلا أن هذه الآثار، في رأيي، لها ما يبررها في ضوء الفوائد الاقتصادية المتوخاة مستقبلًا.

قياس مخاطر الائتمان للطرف المقابل
استيعاب أزمة البنوك الأمريكية
القائمة