كيف يمكن للحسبة الخاطئة لتكلفة أسعار الفائدة أن تعرقل المشاريع
أسعار الفائدة أشبه ما تكون بالطقس. يمكننا الاستعداد للتقلبات المعتادة، لكن التغييرات المفاجئة لا تزال قادرة على مباغتتنا. بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، استمتعنا بعقد من الزمان من السماء الصافية وأسعار الفائدة المنخفضة. حتى مع هبوب بعض الرياح في عام 2019 ومعاناة الاقتصاد من ارتفاع أسعار الفائدة الفيدرالية والمحلية لدينا، تبع ذلك انخفاضًا في أسعار الفائدة مجددًا، وعدنا في النهاية إلى أسعار الفائدة الصفرية بعد الجائحة.
لكن في الآونة الأخيرة، هبت عاصفة عاتية. وفي محاولة مستميتة لمحاربة التضخم، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الفائدة بوتيرة غير مسبوقة مؤخرًا، ليصل إلى أعلى نقطة له منذ أكثر من 22 عامًا مع نطاق سعر فائدة مستهدف يتراوح بين 5.25٪ إلى 5.50٪.، وقد فاجأت هذه التحركات الكثير.
ولنتأمل هنا المملكة العربية السعودية، فقد شهد قطاعها الخاص توسعاً ائتمانياً ملحوظاً في السنوات القليلة الماضية، حيث تشير النشرة الإحصائية الشهرية الصادرة عن البنك المركزي السعودي (ساما) لشهر يوليو 2023 إلى أن تعرض البنوك الائتماني للقطاع الخاص قد نما بمعدل سنوي مركب قدره 10% من عام 2018 إلى عام 2022. وقد توج هذا النمو بتسجيل ائتماني قائم قياسي بقيمة 2.4 تريليون ريال سعودي (ما يعادل 0.64 تريليون دولار أمريكي). الجدير بالذكر أن ما يقرب من نصف هذا التعرض له فترة استحقاق تتجاوز ثلاث سنوات. وفي الوقت نفسه، منذ إطلاق رؤية 2030، أعلنت المملكة العربية السعودية عن مشاريع عقارية وبنية تحتية تبلغ قيمتها قرابة 1 تريليون دولار أمريكي.
وفي يونيو الماضي، أعلن المركز الوطني للتخصيص عن إطلاق 200 مشروع في 17 قطاعًا، مما يعزز الالتزام بمبادرات الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وتعني هذه المبادرات، إلى جانب التوسع الائتماني الهائل في القطاع الخاص، أن هناك العديد من المشاريع المعرّضة لاقتراض طويل الأجل المربوط بفائدة متغيرة (سعر فائدة عائم). وقد وضعهم تقلب أسعار الفائدة تحت ضغوط أكثر من أي وقت مضى. ما هي المخاطر هاهنا؟ الفشل في التخطيط بدقة لتغييرات الأسعار. النتائج؟ تكاليف متصاعدة، وميزانيات متضخمة، ومستقبل غامض. السؤال هو كيف تتغلب على هذه العاصفة؟
النموذج المالي وافتراضات سعر الفائدة
إن الفرضيات الخاصة بأسعار الفائدة تعتبر حجر الزاوية في المشاريع التي تصاحبها رافعة مالية وذات تعرض طويل الأجل. بالنسبة للمشاريع طويلة الأجل المربوطة بقروض بالريال السعودي، فإن السيولة عادةً تسمح بالتحوط لمدة تتراوح بين خمس وسبع سنوات. وبالتالي، فإن التعهدات المالية على المقترضين تنطوي على تحوط إلزامي لجزء كبير من التعرض لأسعار الفائدة.
ولكن كيف نتعامل مع العمر المتبقي لهذا التعرض الائتماني وذاك القرض؟ لقد لاحظتُ العديد من المشاريع التي تطبق وتنتهج افتراضات ثابتة لأسعار الفائدة والتي لا تكون مبنية على أساس علمي، خاصة للفترات المتجاوزة لسبع سنوات.
فمن الواضح أن هذه الافتراضات أضحت غير مناسبة لمشهد الأسعار المتقلب والمرتفع هذه الأيام وباتت الكثير من الشركات تبحث عن مخرج لهذا المأزق. ولذلك، فمن الضروري إعادة ضبط النماذج لتعكس المعدلات المرتفعة، وذلك باستخدام الممارسات المنهجية لاستقراء منحنى معقول لسعر الفائدة.
معالجة المعضلة الحالية
إن تعديل النماذج المالية لتتناسب مع بيئة أسعار الفائدة الحالية وبعد أن تم بالفعل البدء بالمشروع سيؤثر بلا شك على معدلات الربحية. قد ينعكس ذلك سلبًا على الجدوى المالية للمشروع، وتصبح التداعيات السلبية أكثر وضوحًا كلما كانت الرافعة المالية أعلى ومعدل التحوط أقل. بالتالي فإن الفشل في معالجة المشكلة لن يؤدي إلا لتفاقم العواقب السلبية.
بالنسبة للمشاريع التي تواجه أسعار فائدة أعلى، فإن تحديث النماذج الرياضية لتفترض البيئة الحالية يعتبر أمرًا مؤلمًا إذا كان جزء الدين العائم جوهريًا. ويظل هذا التحدي قائما حتى عندما تتم تغطية الدين جزئيا. ولذلك، فإن دراسة آثار الاقتراض طويل الأجل لا تقل أهمية عن تقييم التداعيات الحالية والمباشرة. إذًا، كيف ينبغي للشركات أن تتعامل في هذه البيئة من أسعار الفائدة؟ وهل التحوط باستخدام المشتقات المالية هو الحل الوحيد؟ كلاّ.
النهج المتعلق بالميزانية العمومية
يجب أن يكون النهج الأساسي هو النظر إلى الميزانية العمومية، وتقييم المشروع مالياً في ضوء ظروف أسعار الفائدة السائدة. إذا أظهر المشروع أداءً معززًا في مرحلته الحالية – سواء في البناء أو التشغيل – ففكر في إعادة تمويل الديون بشروط أكثر ملاءمة. وإلى جانب هذه المراجعة، يجب مراقبة تعهدات المشروع المالية بعناية وبما يتماشى مع الأهداف التجارية والمحاسبية.
ومع ذلك، فإن أي خطة لإعادة التمويل تظل رهينة لما تمت الموافقة عليه بالشروط والأحكام التي تحكم مستندات التمويل. يوافق مقرضو المشاريع عادةً على هيكل تمويل ميسر ينطوي على فترة أولية قصيرة إلى متوسطة الأجل يدفع خلالها المقترض الفائدة فقط أو معها مبلغ بسيط من أصل القرض لكي يتم تحفيز المشروع على إعادة التمويل عند الاستحقاق الأولي (متوسط الأجل؛ 5-7 سنوات بعد السحب). بالنسبة للمشاريع الجديدة، يجب التفكير جيدًا في ضبط الشروط الأساسية بما فيها آلية التسعير بعناية لإظهار أفضل قدرًا ممكنًا من التأثير الإيجابي على المشروع لملاكه.
ومن الممكن أن تؤدي كفاءة الأداء المالي والجدارة الائتمانية إلى تقليص الخطورة الائتمانية عند إعادة التمويل. بالتالي قد يؤدي هذا إلى تقليص تكاليف الفائدة، وتعزيز التدفق النقدي وتقليل تأثير بيئة أسعار الفائدة المرتفعة.
كما أن تحسن نتائج المشروع يتيح للشركات بأن يكون لها اليد الطولى في المفاوضات مع المقرضين، وربما تأمين تعهدات مالية أقل صرامة من ذي قبل، وهذا يسهل المزيد من الحرية المالية والمرونة التشغيلية.
أحد العناصر الحيوية في هذه الإستراتيجية المتعلقة بالنظر داخل الميزانية العمومية هو إمكانية تحرير الأسهم من خلال إعادة التمويل بشروط أكثر مرونة. إن استبدال جزء من الدين بتمويل الأسهم يمكن أن يحافظ على الميزانية العمومية لشركة المشروع ويزيد من مرونتها المالية. يمكن أن تؤدي إعادة التمويل المناسبة إلى إعادة معايرة هيكل رأس المال، مما يضمن توافق استحقاق الديون والتكاليف مع قدرات التدفق النقدي للمشروع، مما يؤدي إلى وضع مالي أكثر قوة وملاءة مالية عالية.
وفي نهاية المطاف، يمكن لهذه الفوائد مجتمعة أن تعزز ثقة المستثمرين، وخاصة بالنسبة للكيانات المتداولة والمدرجة. ومن شأن هذه الثقة أن تؤدي إلى اتساع قاعدة المستثمرين وزيادة السيولة، وخاصة في حالات إصدار الصكوك المتداولة العامة.
النهج خارج الميزانية العمومية
خلال الجائحة، انتشرت استراتيجية للتحوط من مخاطر أسعار الفائدة تسمى “استراتيجية المزج والتمديد“. خلال تلك الفترة، سعى الكثير إلى إطالة أمد تحوط مقايضات أسعار الفائدة الثابتة المرتفعة. وقد أدى ذلك إلى تمديد التحوطات ذات المعدلات المرتفعة إلى ما بعد تاريخ استحقاقها للاستفادة من معدلات المقايضة المنخفضة، وبالتالي تحقيق معدل ممزوج ومتناقص. ومن خلال دمج مقايضة حالية ومقايضة جديدة في مقايضة ممتدة الأجل، تمكنت بعض المنشآت من تقليل أعباء التدفق النقدي فوريًا وتوزيع الالتزامات المستقبلية للمقايضة على مدى فترة أطول.
يمثل السيناريو الحالي فرصة معاكسة للوضع الذي كان خلال الجائحة، حيث إن شركة المشروع التي لديها تحوطات ممتدة، ولكنها جزئية يمكن أن تخفف من مخاطر السيولة ومغبة تجاوز التعهدات المالية. فقد تقوم شركة المشروع بتقليل المدة لهذا التحوط، والاستفادة من القيمة الموجبة المتحصلة لتغطية التحوط بشكل أكبر على المدى القصير.
ولكن ماذا عن مدة التحوط الممتدة التي أصبحت الآن أكثر عرضة للتغيرات اللاحقة في الأسعار؟ مع اقترابها من الضائقة المالية، قد تتخذ الشركات تدابير لازمة لدعم الاستقرار المالي للبقاء قادرة على سداد ديونه، بالتالي إعطاء متنفس على المدى القصير لبحث حل المعضلة على المدى الطويل.
إذا كان أداء المشروع المستقبلي يبدو واعدًا، فإن مثل هذه الخطوات توفر فوائد قصيرة المدى ومهلة للتفكير بروية عن مستقبل التعرضات وكيفية التعامل الأمثل معها. ولكن هل يستلزم ذلك الحفاظ على التعرض طويل الأمد كما هو؟ ليس بالضرورة، فيمكن للعديد من استراتيجيات التحوط، وخاصة تلك التي تعالج مخاطر الذيل، أن توفر تغطية معقولة. والأهم من ذلك، أن النهج المتعلق بخارج الميزانية العمومية أو داخلها لا يستبعد بعضها بعضا. ويمكن أن يؤدي تنفيذها بشكل تسلسلي أو جنبًا إلى جنب إلى تحسين مزايا كل منها.
خاتمة
للتغلب على عواصف تقلب أسعار الفائدة، علينا أن نعطي الأولوية لأمرين: البصيرة والمرونة. تتطلب معالجة تقلبات الأسعار البصيرة، حتى قبل بدء المشروع. يجب أن تتم صياغة مستندات التمويل والشروط المتعلقة بها بحيث أن تكون مناسبة لأي تحولات وتغيرات قادمة وبشكل استباقي. على سبيل المثال، ينبغي للمقرضين تجنب فرض فترات تحوط معينة وصارمة تغطي التمويل الممنوح، حتى تتمكن شركة المشروع من وضع استراتيجية مرنة للحماية من تقلبات الأسعار في المستقبل.
الاجتهاد هنا هو المفتاح، فبِغض النظر عن التوقعات المضمّنة في النموذج المالي، يجب على شركة المشروع مراقبة ديناميكية الأسعار المتغيرة وتقوم بعكس الآثار المترتبة على أي تحوط موجود، بما في ذلك التعرضات التي لا تزال غير مغطاة. ومن المهم أيضًا الاستفادة من الفرص، لأن المشروح إذا تحسن أداءه على سبيل المثال، فستكون فرصة إعادة التمويل مواتية وملاءمة. ولكن يجب إنشاء هذه القدرة على التكيف مقدمًا قبل مرحلة الإغلاق المالي.
في نهاية المطاف، الوضع المثالي للشركة يتأتى عندما تتناسق وتتواءم أهداف إدارة المخاطر ومؤشرات الأداء الرئيسية، مما يدعم القرارات سواء تلك المتعلقة بداخل أو خارج الميزانية العمومية. يجب كذلك إدراك أن كل مشروح متفرد وله خصائصه التي تميزه عن أي مشروع آخر، بالتالي لا توجد استراتيجية موحدة تطبق على الكل.